سكاي نيوز عربية - 9/16/2025 8:18:56 AM - GMT (+2 )

هذا الحدث غير المسبوق دفع القادة العرب والمسلمين إلى الاجتماع على عجل، ليس فقط لإعلان التضامن مع قطر، بل لتوجيه رسائل واضحة إلى إسرائيل والعالم بأسره.
البيان الختامي للقمة تضمّن تحذيرات مباشرة لإسرائيل من أن ممارساتها الحالية تقوض مستقبل اتفاقيات السلام القائمة، وتهدد أي مساعٍ مستقبلية لإبرام اتفاقيات جديدة.
في الوقت ذاته، حمّل المجتمع الدولي مسؤولية التحرك لوقف الانتهاكات الإسرائيلية، مؤكداً أن صمت العالم يفتح الباب أمام فوضى قد تتجاوز حدود الشرق الأوسط.
على هامش هذه القمة، برزت تحليلات لثلاثة أصوات مؤثرة: الكاتب الصحفي محمد الحمادي، وعضو مجلس الشورى السعودي السابق وأستاذ العلوم السياسية إبراهيم النحاس، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج ماسون ديفيد رمضان.
مداخلاتهم شكّلت معاً لوحة متكاملة لفهم أبعاد القمة ورسائلها وانعكاساتها على إسرائيل، الولايات المتحدة، والمجتمع الدولي.
وحدة الموقف العربي-الإسلامي
من أبرز ما لفت الأنظار في القمة، وفقاً لمحمد الحمادي خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية"، هو وحدة الخطاب العربي والإسلامي الذي وُجِّه لإسرائيل.
القمة، كما قال، أكدت بصوت واحد أن تجاوز إسرائيل للقانون الدولي ولحقوق الفلسطينيين لم يعد مقبولاً، وأن محاولات فرض السيطرة بالقوة على المنطقة ستُواجَه برفض جماعي.
إسرائيل، بحسب الحمادي، فوجئت بحجم الحضور وبالتوافق الذي شهدته القمة رغم تباين المواقف بين التشدد والدبلوماسية.
الرسالة كانت واضحة: هناك غضب واسع واستياء عميق في المنطقة، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في لجم السياسات الإسرائيلية.
اختبار للمجتمع الدولي
طرح الحمادي خلال حديثه سؤالاً محورياً: إذا لم تستطع قمة بهذا الحجم والتنوع أن تؤثر في القرار الدولي، فهذه إشارة خطيرة إلى خلل في النظام العالمي. ما حدث في قطر، وفق تعبيره، لم يكن مجرد اعتداء على دولة، بل خرق للقوانين والمواثيق الدولية.
الأخطر، برأيه، أن استمرار الصمت الدولي منذ اندلاع حرب غزة يشكّل خطأً مضاعفاً.
فهذه الحرب لم تعد تهدد غزة وحدها، بل قد تمتد شرارتها إلى أوروبا وأميركا. القمة أرادت أن تضع العالم أمام مسؤوليته: إما التحرك لوقف الانتهاكات، أو مواجهة تداعيات قد تخرج عن السيطرة.
نتنياهو في مأزق
أحد أبرز محاور النقاش كان موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث وصفه الحمادي بأنه يواصل سياسة التصعيد والتهديد بدلاً من الاعتذار عن فشل عمليته ضد الدوحة. استمرار هذا النهج يجعل المنطقة كلها في مواجهة احتمالات تصعيد جديدة.
القمة وجّهت تحذيرات صريحة لنتنياهو من أي محاولة لاستهداف الدوحة مجدداً. الرسالة هنا مزدوجة: من جهة، رفض واضح لأي مساس بسيادة الدول، ومن جهة أخرى، تحميل الولايات المتحدة مسؤولية منع إسرائيل من تكرار مثل هذه الاعتداءات، خاصة وأن وزير الخارجية الأميركي كان موجوداً في المنطقة.
تقويض الاتفاقيات الإبراهيمية
القمة أعادت تسليط الضوء على جوهر اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، التي قامت أساساً على وعود بالاستقرار واحترام سيادة الدول. الحمادي أشار بوضوح إلى أن إسرائيل لم تُعر أي اهتمام لهذه الاتفاقيات، ولم تحترم الدول التي وقعت عليها.
النتيجة المباشرة، وفق تحليله، أن إسرائيل خسرت كثيراً على المستوى الاستراتيجي.
دول كانت تفكر في الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية تراجعت خطوة إلى الوراء، لتجد إسرائيل نفسها في عزلة سياسية متنامية. القمة بالنسبة لتل أبيب لم تكن مجرد اجتماع عابر، بل كابوس سياسي يبدد سنوات من جهودها لتقسيم المنطقة.
الأبعاد العربية والإسلامية.. تجاوز الخلافات القديمة
من جهته قدّم عضو مجلس الشورى السعودي السابق وأستاذ العلوم السياسية إبراهيم النحاس مقاربة أوسع، ربط فيها بين القمة وماضي الخلافات العربية-الإسلامية.
الرسالة الأولى التي برزت، في رأيه، هي أن الخلافات السابقة كانت سبباً في تعنت إسرائيل وغدر الولايات المتحدة. القمة عكست إدراكاً جماعياً بضرورة تجاوز هذه الخلافات وبناء مستقبل قائم على التعاون لمواجهة التحديات المشتركة.
رسالة مقلقة لإسرائيل
النحاس اعتبر أن وحدة الموقف العربي-الإسلامي تشكّل خطراً استراتيجياً على إسرائيل، لأنها تعني أن دولاً كانت متباينة أو متخاصمة سابقاً، توحّدت حول سياسة واحدة تجاهها. هذه الوحدة لن تبقى بلا انعكاسات داخل إسرائيل نفسها، إذ ستعمّق الخلافات الداخلية وتضعف الجبهة الداعمة لنتنياهو.
البعد الغربي
أما بالنسبة للغرب، فتوقع النحاس أن الدول الأوروبية ستسعى إلى النأي بنفسها عن الانحياز الكامل لإسرائيل، خوفاً على مصالحها مع العالم العربي والإسلامي.
في المقابل، الولايات المتحدة تجد نفسها أمام معضلة: هل تواصل الانحياز لإسرائيل على حساب علاقاتها الأوسع مع المنطقة، أم تعيد التوازن في سياستها؟
أعاد النحاس في الاثناء التذكير بتاريخ الاستراتيجية الأميركية، من "الشرق الأوسط الكبير" في عهد بوش الابن إلى "صفقة القرن" في عهد ترامب، معتبراً أن إسرائيل لطالما كانت قاعدة عسكرية متقدمة للغرب. لكن القمة الحالية قد تُرغم واشنطن على إعادة حساباتها، خاصة إذا استمرت الدول العربية والإسلامية في تقوية جبهتها الموحدة.
الولايات المتحدة بين الحليف والضاغط
على خلاف الطرحين العربيين، قدّم ديفيد رمضان رؤية من الداخل الأميركي، حيث شدد على أن واشنطن لم تكن على علم مسبق بالضربة الإسرائيلية على الدوحة.
الأجهزة الأميركية، بحسب قوله، لم تكتشف الهجوم إلا في لحظاته الأخيرة، وهو ما دفع الرئيس الأميركي إلى محاولة إبلاغ قطر بعد وقوعه.
رفض رمضان نظريات المؤامرة التي تقول إن العملية تمت بعلم مسبق من واشنطن، مؤكداً أن نتنياهو تصرّف من تلقاء نفسه، مستغلاً مقولة أميركية شهيرة: "الأهون أن تطلب السماح من أن تطلب الإذن". بمعنى أنه فضّل تنفيذ الهجوم ثم مواجهة العواقب، بدلاً من طلب موافقة لن يحصل عليها.
مصالح واشنطن الحقيقية
يكمن التحليل الأعمق الذي قدّمه رمضان في التأكيد أن ما قامت به إسرائيل لا يخدم مصالح أميركا. فاستراتيجية واشنطن في المنطقة باتت ترتكز على تعزيز نفوذها عبر التعاون مع الخليج والسعودية وقطر، لا عبر الاعتماد الحصري على إسرائيل كما في عقود مضت.
من هنا، رأى رمضان أن القمة أحرجت الإدارة الأميركية، لأنها أظهرت بوضوح أن استمرار الانحياز لسياسات نتنياهو يهدد مشروعها الأوسع لتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية وضمان الاستقرار الإقليمي.
قمة الدوحة.. جرس إنذار للنظام الدولي
أجمع الحمادي والنحاس ورمضان خلال حديثهم إلى "سكاي نيوز عربية" على أن القمة وضعت العالم أمام مفترق طرق.
فالمجتمع الدولي لم يعد قادراً على التذرع بالجهل أو الحياد. الاعتداء على قطر مثّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وإذا لم يواجه برد حازم، فسيكون بمثابة ضوء أخضر لمزيد من الفوضى.
احتمالات التصعيد
وفق الحمادي الخطر الأكبر يكمن في أن استمرار الحرب في غزة والصمت الدولي سيؤديان إلى انفجار أوسع قد يصل إلى أوروبا وأميركا.
النحاس حذّر بدوره من أن الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على "إسرائيل الكبرى" ليست مجرد أوهام، بل مشروع مدعوم غربياً يجب مواجهته بجدية.
أما رمضان، فشدّد على أن واشنطن لن تسمح بانفلات الأوضاع إلى حد تهديد استقرار الخليج، لكنها ستواجه صعوبة متزايدة في ضبط نتنياهو وحكومته اليمينية.
الانعكاسات على الداخل الإسرائيلي
القمة لم تكن فقط رسالة خارجية، بل كان لها ارتدادات داخلية في إسرائيل. توحّد العرب والمسلمين أحرج الحكومة الإسرائيلية أمام معارضي نتنياهو الذين يرون أن سياساته جلبت عزلة غير مسبوقة.
كما أنها عمّقت الانقسام بين من يدعم استمرار الحرب على غزة ومن يطالب بوقفها لإنقاذ صورة إسرائيل الدولية.
إضافة إلى ذلك، فإن أي تراجع للدول العربية عن مسار التطبيع يعني خسارة استراتيجية لنتنياهو الذي كان يعوّل على هذه الاتفاقيات لتعزيز شرعيته.
مستقبل العلاقات العربية-الإسلامية بعد القمة
شدد إبراهيم النحاس على أن القمة يجب ألا تكون لقاءً عابراً، بل دعا إلى بناء آليات تعاون مستدامة بين الدول العربية والإسلامية، سواء في المجالات الاقتصادية أو الصناعية أو الأمنية.
هذه الخطوة ستمنح الشعوب العربية والإسلامية أملاً بمستقبل مختلف، قائم على التكامل لا على الخلافات البينية.
في المقابل، حذّر من الاستعجال في انتظار نتائج فورية، مؤكداً أن بناء المستقبل يتطلب عقوداً من العمل والصبر. القمة، برأيه، كانت نقطة انطلاق وليست نهاية المطاف.
قمة الدوحة.. كابوس لإسرائيل واختبار للعالم
القمة العربية الإسلامية في الدوحة كانت استثنائية في توقيتها ورسائلها. لإسرائيل، مثّلت كابوساً استراتيجياً لأنها كشفت وحدة خصومها التاريخيين. للعالم، كانت ناقوس خطر بأن الاستمرار في تجاهل القانون الدولي سيؤدي إلى تداعيات لا تُحمد عقباها.
محمد الحمادي أضاء على خطورة تجاهل الرسائل الواضحة، إبراهيم النحاس كشف عن البعد التاريخي والاستراتيجي لوحدة الصف، وديفيد رمضان شرح مأزق واشنطن بين حماية تحالفها مع إسرائيل والحفاظ على نفوذها الأوسع في الخليج.
الرسالة النهائية التي خرجت من الدوحة بسيطة لكنها حادة: إسرائيل لم تعد قادرة على فرض رؤيتها بالقوة وحدها، والمجتمع الدولي لم يعد قادراً على التزام الصمت.
إقرأ المزيد